“بوح العصاري” المعنى والمبنى في فن ” الخبيتي” من الفريش الى الرحيلي !

حتى وان كان اصل كلمة “الفلامنكو” هي (فلنلهو) العربية او ” فلاح منكوب” اي فلاح من غير أرض، وهم الفلاحين الموريسكيون الذين أصبحوا بلا أرض، فاندمجوا مع الغجر وأسسوا ما يسمى بالفلامنكو كمظهر من مظاهر الألم التي يشعر بها الناس بعد إبادة ثقافتهم كما قال الاديب والسياسي “بلاس انفانتي” ورغم ان اصل الكلمتين عربية الا انها تختلف في معناها ومبناها!

من جهة اخرى حين اشاهد ثوب (الحويسي) الثوب الذي يلبسه راقصي الخبيتي فإني أتذكر الفلامكنو ويزيد حماسي للفكرة حين اعرف ان الفلامنكو يحتوى على ربع التون وعلى الارتحال في مضامينه ، كما هي طبيعة المقام بخلاف موسيقى أوروبا الغربية التي تخلت عن الارتحال وربع التون منذ القرون الوسطى!

هل الفلامنكو يشبه الخبيتي؟ !
ليس هذا ما أرمي اليه ابداً، ولكني حاولت ايجاد ربط معنوي وأن كان شكلياً كتوطئة تسهل ما أريد ايصاله، فمشاعر كالغربة والامل من المشاعر التي لا تتحول لغرض شعري في مجتمع ما عن طريق المصادفة، هي غالباً نتاج حاجة اجتماعية متراكمة متعارف عليها.

وان كان الفن هو اسمى تعبير عن العاطفة، فأنه يجري بجريانها مُيسراً وصولها مختصراً تشعبها. وطالما كان المغني صيرورة الشاعر بين الناس، وللايقاع الابدية المتوارية.

وأنت تستمع للأغنية الخبيتيه (شدت القافلة) من المحافظات التي تقع شمال شرق مصر او على المدخل الشمالي لقناة السويس ستجدها نسخة طبق الاصل من اغنية شدت القافلة للفنان عابد البلادي والفنان ابو هلال رغم اختلاف الالات ونطق الكلمات.

ستجد ان مدينة بور سعيد مدينة الصيادين الشهيرة اضحت هذه الاغنية من ضمن اغاني مناسباتهم التقليدية، بور سعيد التي يقول فيها الاديب الانجليزي روديارد كبلينغ: إذا أردتم ملاقاة شخص ما عرفتموه، وهو دائم السفر، فهناك مكانان على الكرة الأرضية يتيحان لكم ذلك، حيث عليكم الجلوس وانتظار وصوله إن عاجلاً أو آجلا،ً وهما: لندن وبورسعيد.

طبعاُ هذه المقولة كان يقصد بها بور سعيد في القرن التاسع عشر وليس قبل ذلك. ستجد لاحقاً وانت تتبع مسيرة الاغنية انها اغنية جاءت من الحجاز ومن قبيلة (حرب) الشهيرة.

حكايتنا تبدأ من قرية (الفريش) القرية التي تحظى برمزية عالية في سيرة الترحال. القرية التي تبعد عن قرية السيّآلة 2 كم شمال شرقاً (المدينة التي ارتاح فيها النبي مراراً) وبعد اندثارها تحول مسار الحجاج إلى الفريش، وعرفت بهذا الاسم منذ أواخر القرن التاسع وأوائل القرن العاشر الهجري، ومن حينها أصبحت الفريش أول مرحلة من مراحل السفر على طريق القوافل والمعروف سابقاُ بـ(الدرب السلطاني) للخارج من المدينة إلى مكة المكرمة.

القرية التي كان يقف فيها الحجاج والمعتمرين والجيوش والقوافل لتأكل وترتاح اصبحت مع الوقت ايقونة الوداع والغربة. اصبحت ارض الفريش دلالة الراحلين ووجع المودعين.
” شدت القافلة وشد خلّي معاها
واصبحت بالفريش ياليت عيني تراها
روّحوّ روّحوّ يارب سهل عليهم
بعد ما روّحوّ قلبي تشوّق إليهم”

وهل من عجب اكثر ان يكون سكانها الاصليين قبيلة اسمها (الرحلة) من حرب. ومن مفارقات الاقدار ان تكون المحطات المؤدية لمكة والمدينة من جدة اسمها (الرحيلي) ! وللخبيتي سيرة حياة أعجب حين كان فناً للمسامرة داخل البيوت، وسحبته الدفوف للساحات، ونقلته السمسمية للمرافئ.

 

المصدر : دبي/أحمد الفاضل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *