ليس الجميع بالطبع ، لكن عددًا من الصحفيين الموجودين بين ظهرانينا اليوم – رجالًا ونساءً – صار الواحد منهم يتوهم أنه صار صحفيًا بالمعنى المتعارف عليه مهنيًا .
.
غير أن الحقيقة المرّة أن الواحد من أولئك لم يدر أنه مجرد موظف ليس أكثر ، يعمل بطريقة كيفما أتفق , حتى إذا ما انتهى الشهر قبض الراتب , وكان الله سميع الدعاء .. أما الذين يعملون بالصحف الإلكترونية فسوادهم الأعظم متطوعون على باب الله – لا قرش ولا ريال – وجزاهم الله خيرًا .
.
ما تقدم أعلاه ليس من ” كيسي ” ، ولكنها القناعة التي أسمعهما لدى كثير من الناس , وسمعتها من عدد من رؤساء التحرير , وهم يصفون عددًا من (جيش) الصحفيين الحاليين وبعض السابقين ، الذين ملأوا الآفاق وانتشروا ما بين الصحف الورقية والإلكترونية ، وبعضهم صار يحمل كاميرا ، ويزاحم في الصف الأول عند عقد المؤتمرات الصحفية ، وفي جيبه الأيمن البطاقة الصحفية , أما الجيب الشمال فهو محشو بـ ” البزنس كارد ” .
.
ثم تراه يرفع أصبعه بإصرار عجيب , حتى إذا ما سمحوا لبعضهم بطرح سؤاله كانت الكارثة ، فالسؤال في واد – والمناسبة في واد أخر .
.
لكن دعونا نمسك العصا من المنتصف ، فلا نظلم هؤلاء ولا أولئك ، لنقول إن للصحف دورًا مهمًا جدًا لم تقم به بعد .. وأيضاً لهيئة الصحفيين السعوديين (الحاضرة الغائبة) دور في تأهيل وتدريب الصحفي المبتدئ ، ليصبح ناجحًا عما قريب .. بأكثر مما فعلت ، ووفق مشروع كبير – له رؤية وأهداف .
.
فالمؤسسات الصحفية مع الأسف لم تقدم دورات تأهيلية , وإن قدمت فإنها دورات لا قيمة كبيرة لها .. أما هيئة الصحفيين فهي – كما ترى عيوننا – لم تصل ببرامج تدريب الصحفيين إلى الطموح الذي نأمله .
.
ومن جانب أخر ففي بعض الصحف يتم تعيين بعض الصحفيين فيها على طريقة : (جايك فلان – من طرفنا) … نعم أنا أتفهم الشفاعة الحسنة , و مؤمن بأنه لا بأس بها كـ (واسطة خير) إن كانت الشخص صاحب كفاءة … أما أن تكون لشخص لا يعرف (ابجديات المهنة) , وبدون ثروة لغوية ولا يقدر على إعادة صياغة الخبر وصناعة التحقيق الصحفي , فإنها حينذاك ستكون واسطة مدمرة .
.
وثمة من يرى أنه يتوجب أن يخضع كل صحفي لاختبارات معينة من اختبارات “القياس” العلمية لدى جهة رسمية أو بإشرافها ، وأن يخضع – كذلك – لـ “دوارات في زيادة الكفايات” ثم يمنح بعدها رخصة ، وتليها تلقائيًا بطاقة إعلامي أو صحفي .
.
ودعوني هنا أقول وبفخر إن هناك من شاباتنا وشبابنا مجموعة رائعة طموحة بالفعل , ونحن – حقيقة – فخورون بهم كثيرًا ، ونشكرهم ، ونشدّ على أيديهم ونتوقع لهم مستقبلًا جميلًا ، لأن لديهم (بذرة) أن يكونوا صحفيين ، ولديهم كذلك الشهية والعشق للمهنة ..
ولكن الواحد منهم يظل يتخبط في بحر لجي متلاطم ، فإما أن يبتلعه البحر – ورحمه الله .. أو أن يظل على حاله حتى “يطفش” ، أو أن ينجو بأعجوبة .
.
ثم إن وسائل التوصل وأقسام العلاقات العامة قد ساهمت – سواء كانت تدري أو لا تدري – ساهمت في تكوين مجموعة من الصحفيين (المهلهلين) بعد أن صارت (مغرمة) بشكل لافت في (تلميع نفسها) والإدارة التي تتبعها (في الفاضي والمليان) بإرسالها لحشد وفير من الأخبار (المعلبة) … فلا يبقى أمام الصحفي المبتدئ غير النسخ واللصق .. دون أن يجد فرصة أن يتعلم المهنة من خلال طرائق تعلمها المعروفة .
.
ولذلك يجد الواحد من بعض صحفيي اليوم نفسه متخما بالأخبار (المعلبة) , خصوصا إن كان قد وطد علاقته بأقسام العلاقات العامة ، تلك التابعة لعدة مرافق حكومية وأهلية , حيث سيجد أن بريده أو (واتساب) متخم بحزم لا بأس بها من الأخبار القادمة له منهم صباح مساء .. وما عليه إلا ان يفرغها لصحيفته ، حتى قبل أن يقرأ – جيدًا – مضمونها ويتفحصها بتأنٍ , أو أن يعدل ما فيها من بعض الخلل … ولذلك أصبحنا – حقيقة – أمام مشكلة معقدة .. والعجيب أن جهة ما رسمية أو أهلية لم تتصد لهذه القضية بوضوحٍ كبير واحترافية .
.
ويظل الثابت والمتعارف عليه عالميًا أن الصحفي الحقيقي ، ليس هو من يأتي إليه الخبر يركض طائعًا (طازجًا) … بل هو ذاك الذي يجري ، يركض ، ويتعب وراء الخبر , ووراء التحقيق الصحفي الناجح المثير , ووراء المقابلة الصحفية اللافتة ….. الخ .
ولا بأس أن يقدم مع كل ذلك شيئا من أخبار العلاقات العامة (المعلبة) ..
.
لكن ان يقتصر كل أو معظم عملة على الأخيرة فقط … فليسمح لنا – حينئذ أن نسميه : ساعي بريد .. لا صحفي .
.
كتبه : بخيت طالع الزهراني